السبت، 9 مارس 2013

لصين ( قصة قصيرة )



في الصباح تأتيك خواطر ليست بالضرورة كتلك التي تأتيك وأنت تمر هنا ليلا ..
و في الظهيرة قد تأتيك خواطر أخرى. في الليل ذاته قد تتعدد الخواطر.
في أول الليل تمتلئ المقاهي حتى لا تجد لنفسك مكانا ... تشعر كم هي الحياة ممتلئة؟
ثم تبدأ تفرغ المقاهي من روادها شيئا فشيئا عند منتصف الليل لتفرغ تماما في أخر الليل .. وتشعر حينها كم هي الحياة فارغة ؟
و تعبير شيئا فشيئا يعطيك إيحاءا بسمة التدريج ..
و بالتدريج رفعت قدمي عن دواسة البنزين .. هدأتُ من سرعة سيارتي ، أوقفتها  بجانب مقهى فرغ من رواده و بدأ في غلق أبوابه.
أطفئت المحرك .. اندهشت زوجتي.
تجاهلت تعابير وجهها ربما لأني لم أكن أفهمها بالضبط ، ربما لأني زوج جديد ..
وضعت يدي فى جيبى ، ملئتها بحفنة من اللب الأبيض ، ثم افرغتها فى يد زوجتي ، فابتسمت لى وابتسمت لها.
ثم بدت على وجهها ابتسامة أخري لم تكتمل بعد، ابتسمت لتكتمل ابتسامتها ، أحطتها بذراعي و مضينا سويا.
الطريق خاليا .. خاليا من أي السيارات في هذا الوقت المتأخر من الليل ، مر وقت ليس بالقليل ثم مرت سيارة بجانبا ، أثارت فى الهواء حركة ، أحسست معها بالهواء يتسلل بيننا، تحركنا سويا بسرعة لنكون بمحاذاة الرصيف، ثم أخذت يدها بيدي إلى أعلى، قربتهما من شفاهي ، وبسرعة طبعت علي ظهر كفها قبلة خفيفة ثم  أتبعتها بقبلة أخري.
الليل ، الهدوء، المشي الهادئ ..
لا أحد فى الطريق سواك أنت و زوجتك تسيرون جنبا بجنب بجانب الطريق.
ماذا عساك تقول لها بعد قبلة جميلة كتلك ؟
مرت سيارة أخري بجانبنا ، قليلا و مرت سيارة أخري ثم تبعتها سيارة أخرى.
ثم هدأ الطريق ، بادرت أقول:
- حبيبتي  ماذا  تقولين في اثنين يسيران فى هذا الوقت المتأخر؟
صمتت قليلا ثم بادرت تقول :
- لصين أو حبيبين.
قاطعتها باندفاع مفتعل للتو :
-       حبيبين طبعا .. طبعا.
ردت بعنف :
-       و لماذا لا نكون لصين ؟
ضحكت و اختارت السكوت.
مرت نفس السيارة التي مرت بجانبنا منذ قليل ، توقفت أمامنا على بعد أمتار.
نزل أحدهم ، تبعهم آخر ، أخرج سلم صغير .
صعد السلم ، أخرج من كيسه لوحة كبيرة .
ثبتها جيدا ، ثم أخرج لوحة أخري ، و ثبتها كأختها الأولي .
أنهى مهمته و تبعه زميله ثم ركبا و رحلا.
و قلت لزوجتي :
- بصراحة أود أن أعرف ؟
- تعرف ماذا ؟
-  ترانا لصين أم حبيبين أم عشيقين ؟
- و ما الفرق بين حبيبين و عشيقين ؟
زوجتي تبادلني السؤال بسؤال .. ذكية طبعا .. تجيد الكلام .
ابتسم و أقول :
- لا أعرف .
تمر بجانبنا سيارة تحمل لوحات معدنية منقوش عليها علامات تفيد أنها سيارة تابعة للشرطة، وضعت يدى فى جيبى ، أطمئن على بطاقة هويتي ، تمر السيارة ببطء ، ينتابني بعض القلق .. خوفا من الشرطة ، تتجاوزنا سيارة الشرطة ، أتنفس الصعداء ، و على بعد أمتار قليلة تتوقف سيارة الشرطة ..
ينزل منها خمس أشخاص ..
الأول أخرج سلما كبيرا.
الثاني أخرج طلاءا أسود ، يصعد السلم ، يمر بطلاءه الاسود على لوحة لم أتبين من محتواها سوي كلمتين .. الأولي :علاقات  و الثانية :خاصة .. علاقات خاصة
الرجل الثالث كان يشرف على المهمة.
و الرابع و الخامس يشاهدون في صمت.
- لا تعرف ما الفرق بين الحب و العشق ؟
- لا أعرف.
- و ماذا تعرف بالتحديد .. أخبرني ماذا تعرف ؟
زوجتي تسألني .. ما أفهمه الآن أنها بأسئلتها هذه تستفزني .. تريد أن تعرف أمر ما .. تحتال على..
مرت نفس السيارة  التي مرت بجانبنا قبل سيارة الشرطة ، توقفت أمامنا على بعد أمتار.
نزل أحدهم ، تبعهم آخر ، أخرج سلم صغير .
صعد السلم ، أخرج من كيسه لوحة كبيرة .
ثبتها جيدا ، ثم أخرج لوحة أخري ، و ثبتها كأختها الأولي .
أنهى مهمته و تبعه زميله ثم ركبا و رحلا.
أبصرت جيدا ، اللوحة التي ثبتت منذ قليل .. صورة إعلان لفيلم جديد ، الصورة عبارة عن رجل فى منتصف الثلاثينات .. وسيم طبعا .. نصفه العلوي عاري تماما و تظهر عضلاته المفتولة ، يلبس سلسلة برقبته معلق بها جمجمة صغيرة و يحتضن بين ذراعية فتاة غير واضحة المعالم مرتمية في حضنه و تبدوا و كأنها خجولة ..
اقتربت لأشاهد الإعلان كاملا .. فيلم باسم علاقات خاصة.
ضحكت طبعا و قلت :
- يقولون علاقات خاصة ..
و في حيرة شديدة أردفت أقول :
- علاقات خاصة أم أوضاع خاصة .. خاصة جدا جدا.
زوجتي تطاردني بنفس السؤال ، تسألني عما أعرفه بشأن الحب و العشق ، تكرر سؤالها و تريديني أن أتكلم ..
-       لا تتهرب من سؤالي .. ماذا تعرف .. تحبني أم تعشقني ؟
-       أنا لا أحبك و لا أعشقك .
و أخذت أضحك ..أعرف أنني أستثير حفيظتها ، أثير غضبها ، أعرف جيدا، تقاطعني بسؤال عنيف :
- إذا لماذا تزوجتني ؟ لماذا ؟
- تزوجتك لأنني أحتاج إليك .
- فقط لهذا السبب .. لأنك تحتاج إلى من يخدمك أليس كذلك ؟ .. تريد من يغسل ملابسك وينشرها و يجففها و يكويها ، و يعد طعامك و شرابك .. و ينظف الصحون و يمسح الأطباق ويرتب البيت .. ببساطة تزوجتني لأكون خادمة ..
- تقصدين أني تزوجت لأستغلك ؟
أومأت برأسها ، فقلت بهدوء:
-       نعم .
انفجرت، و انفجر جسدها  كله، و صاحت في غضب:
-       هكذا إذن .. فماذا لو عرفت أني سأتزوج أمريكيا، و أستغله كما تستغلني و أحصل على جنسية أمريكا ؟
أجبت بحزم :
- أقتلك على الفور .
صرخت قائلة :
-       فلماذا لا أقتلك أنا الآن ؟
سكتُ لحظة أفكر ، ثم ابتسمت ، و قلت :
-       في الواقع هذا هو العدل فلتقتليني .. هذا هو حقك .. لكنك لن تستطيعي أبدا.
قطعت حديثنا سيارة الشرطة، على ما يبدو أنها كانت تطارد أصحاب الإعلانات،  قطعت عليهم الطريق ثم أوقفتهم.
وقفنا نراقب ما يحدث.
تأكد لدي أن الشرطة تطارد الأفلام ، فهمت ماذا يريد رجال الشرطة من أصحاب الإعلانات.
أوقفوهم عنوة ، أخرجوهم عنوة، قبضوا عليهم ، صادروا إعلاناتهم .. أقصد صورهم ، ألكموهم ضربا .. سبابا ، و عصموا أعينهم .
 أي ليلة هذا .. أي تمشية هذه ، أي كلام حب سأقول لزوجتي.
أي مطاردة تلك ... أي هروب هذا .
 رجال الشرطة تطارد صور الأفلام .. و تطاردنا معهم.   
أي كلام يجب أن يقال الآن.
أصابني الخوف ، خائف أنا ..
كاللصين صرنا ، أسرعنا الخطي، اختلست نظرة خلفي، تأكدت جيدا أننا بعدنا عن أنظار رجال الشرطة، بسرعة أوقفنا سيارة أجرة، ركبنا بسرعة كأننا خائفون، انطلق السائق بسرعة كأنه هو الآخر لص مثلنا .. يهرب مثلنا ، خائفا مثلنا.
بدأت أفكر كأنني خائف، أفكر فيما يجب أن أفعله و أنا خائف، أفكر في المرأة التي تجلس بجانبي والمفروض أنها زوجتي ..
و أفكر بخوف فيما فعله رجال الشرطة ..
على الأرجح أنها مثلي تفكر ، وصلنا شقتنا بعد طريق أشبه بطريق الخوف المظلم .
تنفست الصعداء بعد الخوف ، قبل أن أُخرج ما تبقي بداخلي من خوف أخرجت مفاتيحي ، فتحت باب الشقة و أنا أنهج ، أغلقته ورائي ، و بشوق أخذتُ زوجتي في حضني ، رفضت ، وتعنتت و صاحت:
- اتركني لا أريدك.
أخذت نفسا عميقا لأهدأ من خوفي ، ثم ضممتها في صدري بقوة وهمست بأذنها :
- الكذب أسهل شيء لكنني لا أكذب على من أحبه .. أنا تزوجتك لأني أحبك و فقط .
ثم سكتُ ، و أرحت ذراعي، و أردفت :
- و أنت يمكنك أن تتركيني في أي لحظة لكنك لن تفعلي .. كلانا يحتاج إلى الآخر و لهذا ربطنا الزواج.
................................
................................
................................
................................
................................
................................
................................
................................
................................
................................
و أين السيارة ؟
يسألني أحدهم ، و أتذكر أني نسيتها في الشارع ، فلتأذنوا لي الآن لأُحضرها ..
  

ليست هناك تعليقات: