الثلاثاء، 11 يونيو 2013

الفتاة التي ..... !!

الفتاة التي ..... 





الفتاة التي تقرأ و تفكر و تطبخ و تقود السيارة و تخطط لرحلة سفر و تتجمل لمن يخصها بالطريقة التي تخصها ..
 و تتفقد قلبها قبل أن تنام و تتفقد بريدها الالكتروني بالصباح ..
كما أنها تغلق الاضواء كلما غيرت مكانا و تغسل ثيابها و تنشرها و هي تستمتع برائحة الصابون المتطايرة ..
و ترسم و تحتسي قهوتها كما لو كانت تجلس فوق سطح منزل جميل كان مكانا لطيفا بأحداث رواية لطيفة قرأتها يوما و تقاسمت حلاوتها مع ضوء القمر ..
الفتاة التي تتغافل كثيرا و تقول في كل مرة تغض الطرف فيها عن أخطاء الآخريين .. لنا رب غفور فلما لا نتجاوز .. نتجاوز ليتجاوزنا الله بعفوه و رحمته .
الفتاة التي تشعر أنها حين تمشي تكاد تطير .. تطير و تحلق بـأخلاقها إلي العلياء ..
الفتاة التي تتكلم و تناقش و تعرض رؤيتها بناء علي علم  و معرفة و تُتبعه بمهارة و أداء و عمل و إنجاز.
الفتاة التي لا تهتم بصغائر الأمور لكناه تهتم بالأمور البسيطة .. صلاة الضحي، وتر العشاء وابتسامة هادئة لصديقتها و قبلة علي يد والديها ..
الفتاة التي ترتب منزلها بنفسها و تمنح كل ما بمنزلها روح النشاط و الحركة و الحيوية..
الفتاة التي تري نفسها مصنعا منتجا و فيه تُصنع الرجال و تنتج معهم كل معاني الشجاعة والصبر و الاقدام و الكفاح و النضال.
الفتاة التي لا تخجل أن تجلس كل مساء و تنتظر زوجها و تقول له : اشتقت لك يا حبيبي و في الصباح تودعه
 و تقول : اتق الله فينا و لا تطعمنا إلا حلالا ..

الفتاة التي تدرك أنها و زوجها و أولادها و بيتها و كل مافيه هو أصلا قدر الله فهي في ذلك ماضية ومطمئنة ..



الأربعاء، 5 يونيو 2013

أين بطاقتك ؟

أين بطاقتك ؟



شعره الأسود، و ملابسه السوداء، و حذاؤه الأسود، بل و حتى لون بشرته الأقرب للون الأسود لا يعنى بالضرورة أن له قلبا أسودا تماما كلون قالبه الأسود .. ظاهر الأجفــان قد يختلف عن بواطنهــا.
بيد أنه لا روح تسلــم في دهاليـز الحياة من مُصافحة إبرها السوداء التي توخز القلب بوخز فتتبرم.
عند زاوية معتــمة، كان يسير نحوهـا حتي تهادى إلى سمعه صوت غريب، صوت يصرخ بقوة،  ثم يتعالى الصراخ، يتحرك الصوت بجنونه لـيعبر المسافات، و يكسر الحواجز، و يتخطى الأسوار، محدثا في الصميم حركة خفية نابتة في الأضلع .. هـي حركة الأحاسيس، تتحرك في همس في مجرى الوريد، يتلاقى الهمس مع الهمس، كالسحب المثقلة عندما تندمج معا وتكبر و تعلو ، الهمس يصير هزة ثم صرخة ، صرختين ..
 آآآآآه
 الصراخ يثير الحركة.
للتو، و بسرعة يتحرك صاحب القالب الأسود، يتحرك برباطة جأش، بحماسة، على الأرجح كان الخطب خطيراً، يندفع نحو الصراخ، يندفع بقوة المشاعر و العواطف، و يعبر الطريق باتجاه الصراخ شاقا الغمام، يلمحها من بعيد، تستنجد بصوتهـا المتألم.
هو و بكل شجاعة يكسر حواجز متعددة، يحطمها، يدمرها، و يقذف بها بعيدا عن طريقه، لا مكان لها الآن.
ما يحثه على المسير دافع داخلي قوي لا بياضهـا الناصع المطعم بالشقار وملامحهـا الجميلة.
ينجح في الاجتياز والتنقيب عن صاحبة الاستغاثة، يدرك الصراخ واضحا.
كلما أقترب أكثر كلما اتضحت له الرؤية، يرى النزيف، وتلك الدموع الهاطلات، تهتز بداخل تلابيبه حركة أخرى، خفية كعادتها، حسية كأختها الأولي لكنها تحرضه باندفاع ليقترب أكثر فأكثر.
نعم هو يقترب، يقترب بلا خوف، بلا تردد و بلا قلق، بلا ورود، بلا أسلحة.
ينحني نحوها.
يفحص المشهد عن قرب، يتأملها لبرهة، فيدرك هول الحدث بعد برهة، و بسرعة يخلع رباط عنقه الأسود لـ يضمد به مكان النزيف الأحمر.
يمتص اللون الأسود اللون الأحمر، كأنه خبير في مثل هذه المواقف يربط الجرح جيدا ، ليختف بعض من حمرة الأحمر، و يزداد الأسود سوادا كي يختفي الأحمر!
يربط الجرح ربطة أخرى، يعقدها جيدا، يزداد الألم الرابض فيهـا، تتعالى صرخاتهـا وتأوهاتهـا.
-         لا تقلقي ستكونين بخير.
يهدأ الصراخ بعض الوقت لكنه لا يتوقف.
للتو يحملها بين ذراعيه، تحاول هـي التغلب على أوجاعهـا، تتشبث بيدها في ملابسه السوداء، تعصرها بين أصابعها بقوة، بكل إصرار، كما لو كانت تتشبث بالحياة، و الحياة هنا فـي ملابسه السوداء التي تلامس أطرافهـا.
يجرى بها بقوة، باندفاع، بحماسة، ليزداد شهيق صدره، لتزداد نبضات قلبه و ليزداد عرقا.
يستمر يجرى و يجرى بسرعة محاولا الهرب من الموت، و الحقيقة أنه يهرب إلى ما قبل الموت.
تعرفون الموت؟
تعرف ما قبل الموت ؟ ، تعرف ما بعد الموت ؟
فيما قبل الموت كان يهمس لروحه بأن منافذ الحياة تقترب إليهما كلما أسرع المسير، و بذلك يزداد الخطى، و يتناسى الجهد المضني، و يدير ظهره للألــم.
لكن ما أن يبدأ الشعور بالتعب يغلبه، يهدأ المسير، يزداد الشهيق، و يقل الزفير، ينقبض صدره أكثر مما ينبسط، يزداد تعبه، و يعلو صوت الشهيق، يعلو و يعلو.
يتوقف المسير معلنا التعب مع الألم.
دموعها تتحرك، تسيل، تنهمر بقوة و بعنف لتبلل قميصه الأسود، تنتشر الدموع بين ألياف ملابسه، و كأن الدموع صارت كالوقود تدفعه ليتحرك من جديد، كأنها ترجوه:
- تحرك أيها الأسود، تحرك لا يهم أنك أسود أو أبيض، تحرك لنتحرك معك.   
ليدرك هول المصيبة، يتحرك الذي بداخله من جديد، ليتحرك شيئ جديد معه، إحساس جديد، حُلم جديد، ليتحرك صاحب القالب الأسود من جديد، و يجرى و يجرى ليهرب بها نحو الحياة.
يزداد الشهيق من جديد، يزداد النبض من جديد، و تتسع حدقة عينه ليرى الصورة في مُجملها واضحة شارقة كمدينة القاهرة - مسقط رأسه- ، باسمة بابتسامة المصري الصبور، تخبره بكل وضوح أن الأمل أبدا لا يموت.
تتنهد البيضاء المُتعبة، يهتز لسانها، هزة .. هزتين .. ثلاث ..أربع، و تتنهد.
و تتحشرج الكلمات على شفتيها بصعوبة.
- هل سأعيش ...؟   
يسمعها بوضوح، تتنهد ، تترقب إجابته بطرف حزيـن، لكنه يتعالى عن الإجابة، يفضل الصمت ويستمر في الجري بلا توقف.
يستمر بلا وهن و بلا تعب و بلا راحة، لم يعد لديه وقت يضيعه كي يهرب بها إلى الحياة، أو لتموت و معها يموت أمله.
فرصته ليحقق أمله.
بلا شك له قلبُ أبيض قادر على الوصول، و قادرُ على التواصل.
يجرى و يجرى بكل حماسه.
يلمح شيئاً أبيض من بعيد يقترب منه شيئا فشيئا، فيجرى نحوه، و يتجاهل صوت الشهيق ، ويتجاهل الدموع، و يتجاهل الجميع ليقترب أكثر و أكثر مما هو أبيض، و كأن الحياة في ذاك الأبيض !
يدركها جيدا، إنها سيارة الإسعاف، يرفع ناظريه نحو السماء، يشعر بنجاح المحاولة، يشكر الخالق، ويواصل الجري فلم يتبقى سوى بضع أمتار، أربع أمتار، مترين، متر واحد.
و أخيرا يتوقف للتو، يلتحم بالسيارة البيضاء، بسرعة يُفتح باب السيارة.
سيارة الحياة تفتح أبوابها.
يُفرغ حمولته، عفوا ي.. ُفرغ بعضا من إنسانيته المنهمكة في بكائها.
يريحها برفق على سرير الإسعاف، و برفق يجلس بجانبها.
تتنهد، تشعر بالبرد، تهتز أطرافها من جديد ، ترتعش، بسرعة يخلع معطفه الأسود، يغطيها جيدا، تستمر فى رعشتها، تتراطم أسنانها، و تحدث أزيزا.
يرتخي جفناها، يمسح الأسود بحنو على شعرهـا ويهمس:  
-         الأمل لا يموت، لن تموتي، صدقيني ستعيشين.
تتشبث به، تُعلق يدها بيده، يندمجان، كأنه هو حبل الحياة تعتصم به لينتشلها من براثن الموت.
الآن يدرك أهميته في الحياة، يتحرك نحوها أكثر فأكثر، يقترب .. أقرب فأقرب، لتتلاشى المسافات، يطبع قبلة على جبينها ثم يجر شفاهه المتفحمة على جسر أنفهـا حتى يصل لفمها، تخفت أنفاسها الساخنة، ينقبض قلبه، يشد على يديها، ينفخ بكل قوته في فمها، و يستمر ينفخ و ينفخ بلا وهن و بلا توقف، هي قبلة الحياة ، المحاولة الأخيرة لينقذها من الموت كي لا  تكون قبلة للوداع.
تهدأ سيارة الإسعاف في سيرها، تقل السرعة حتى تتوقف السيارة على جانب الطريق.
يُفتح باب السيارة على إيقاع حزين، ينزل من السيارة بمفرده، يجر جرحاً بأعماق روحه يسكن، يغلق خلفه باب السيارة بسرعة، تمضى السيارة، ليجد نفسه أمام عدسات الإعلام و رجال الصحافة.
يقف وحيدا، تبدو عليه علامات الأسى.
يتوافد عليه الصحفيون، يحيطونه  من كل صوب، تتوالى عليه الأسئلة و علامات الاستفهام، يتنهد و يقول:
-         حاولت إنقاذها ...
يصمت قليلا ثم يردف:
-         لكن  .. لكن  الأمل يبق موجود.
تدمع عينياه، يجففها بأطراف ملابسه، يسود الصمت برهة .. برهتين .. ثلاث.
يتعالى صوت من بعيد، بلا رأفة، بلا رحمة:
-         أي أمل هذا يا أسود ؟!
تصدمه الكلمات، تزلزل كيانه، لكنه يتجاهلها، يتجاهلها كأنه لم يسمع شيئا، ثم يسير مبتعــدا يبتلعه الغروب، يقترب أحدهم مكتوب على قميصه police  ثم يسأله:
- أين بطاقة هويتك ؟ ليس معك بطاقة هوية ؟ أنت مهاجر غير شرعي ؟

تصدمه الكلمات تزلزل كيانه، يحاول أن يتجاهلها كأنه لم يسمع شيئا، ثم يسير بصحبة رجال الشرطة إلى مكتب التحقيقات.