السبت، 28 يناير 2012

فتاة حائرة ( قصة قصيرة - يناير 2012)



صباح آخر غائم  و قد تمطر السماء ..
سيكون هناك القليل القليل من الدفء لجسدي المُتعب، وكثير من الحيرة بقلبي، مُتعبة أنا.
مُتعبة ومحتاره فى أمري .. لا أستطيع القراءة الآن في هذا الضوء الضعيف ..
سريري يمنحني بعض الدفء، لكنه لا يكفيني .. السرير وحده لا و لن يعطيني الدفء المطلوب، و هذا أحد أسباب حيرتي .. أحتاج الدفء لجسدي و لقلبي و لروحي و لأحاسيس و لأفكاري .. كل ما بي يحتاج للتدفئة .. و هذا ما يزيد حيرتي ..
أقنعت نفسي من قبل أني لن أسمح لحيرتي أن تهزمني ..
سيأتي الوقت الذي أقرر فيه القرار الصحيح، سيأتي الوقت الذي أضع فيه حدا لحيرتي و سأقطع الطريق على كل ما يعكر صفو حياتي و سأستمتع بما تبقي من برد الشتاء.
في الشتاء يقصر النهار كثيرا و يطول الليل ..  ومع الليل يطول السهر، النوم يخاصمني كثيرا و أحيانا أنا من تخاصمه ، أبقي يقظة لوقت طويل.
أختي الصغيرة تلازمني كثيرا .. تقدم لي أعشاب الشتاء .. قرنفل و قرفة و زنجبيل* .. مرة منقوعة و مرة فى ماء مغلي و مرة أخري تقدمها لي لأمضغها جافة .. كل ما سبق هو اتباع دقيق لتعليمات جدتي ..
- هل لهذه الأعشاب فائدة حقا ..؟
- ربما ..
كل ما أجنيه هو ذاك الشعور المُستمر المُتجدد كالشلال يتدفق بكل معان الحب و الود و العشق من قلب كقلب أختي بالرغم من أنها مشغولة جدا كما أنها صغيرة عني .. الحب حقا لا يرتبط بعمر مُحدد، أختي التي تكبرني تقول أن العُمر لا يهم .. وأن المهم أنه يفهم الحب و قادر على الحب و يؤكد أنه يحبك.
أسأل نفسي :
-       هل هو حقا يحبنبي ؟
لا أعرف أو أني لم أتأكد بعد ..
طبعا أحتاج لأتأكد تأكيدا واضحا و صريحا أنه يُحبني، و التأكيد هذا لا يجب أن يكون كلاما فحسب، بل أفعالا ..
- كيف ستكون هذه الأفعال؟
- لا أعرف .. هذا بالتحديد ما أنتظره ..
أختي الكبري لا تُخفي قلقها علي و علي ما بي، وجهي يبدوا مشغولا دائما ، أُحاول أن أُخفي ما بي لكني لا أستطيع .. الحيرة أقوي من أن نُخفيها ..
الآن أعترف أن قرار الارتباط و الزواج هو واحد من أصعب القرارت فى حياتنا..
الزواج أصلا صار صعبا ..
أصلا أن يجدك الرجل المناسب هو أمر صعب ..
والدي يقول أن الرجل المُحترم فى هذا الزمن هو كالكنز الثمين ..
هو طبعا رجلا محترما .. أنا أُجزم بهذا .. أنا مُتأكده من هذا .. طريقته فى الكلام و الحوار ، ابتسامته الهادئة .. أفكاره و طموحاته ..
ماذا تعني كلمة مُحترم أصلا ؟
الجيران .. كنا نقول أنهم مُحترمون .. و اتضح فيما بعد أنهم ليسوا كذلك ..
وطبعا لم تكن جارتنا السيدة "ن" ممتنة كثيرا لما حدث خاصة بعد أن عرف السيد "م" حكايتها القديمة، وكيف كانت ظاهرة مخجلة جدا في عيدها الثلاثون، الحقيقة التي لا يعرفها أحد سوي أنا أن السيدة "ن" لو عرفت من هو السيد " م" لقتلته قبل أن يقتلها، و معها الحق طبعا خاصة بعدما عرف الصحفيون فضيحته، إلا أن السيد والده المحترم الكبير تدخل مبكرا، و أشترى كل الأعداد التي تصدرها جريدة الفضائح.
أعشاب الشتاء - فى الأصل -  هي أدوية الشتاء قديما كما تقول جدتي، أطباء اليوم يقولون أنها أفضل من الأدوية الكيميائية الصناعية و أن لها نتائج ممتازة، كأنهم يعودون مرة أخري للطرق القديمة التي بدأها الأطباء القدامي .. يعودون لأصل الطب .. أبتسم رغم حيرتي و أقول أن والدتي تماما كهؤلاء الأطباء تحب كل ما هو قديم و أصيل، أخبرتني يوما أنها تُحب لي أن أرتبط برجل له أصل متين .. عائلة أصيلة لها وجود منذ القدم و لها ماض و تاريخ.
أعترض و أقول: يا أمي ما ذنب رجلا ناجحا و طموحا لكنه لا ينتمي لعائلة قديمة و أصيله كما تقولين والأمثلة حولنا كثيرة .. كثيرة جدا .. عائلات أصيلة و بها مجرمون و مرتشون و فاسدون .. و عائلات بسيطة و متواضعة و أنجبت عظماء و أبطال.
لا أعرف هل يجب أن أرتبط برجلا من عائلة أصيلا أم أنه ليس شرطا .. ؟
أم أن الأفضل أن يكون غنيا .. ؟
ما رأيكم ؟
أختي ترفض تماما فكرة أني يجب أن أرتبط برجل غنيا .. أحد زميلاتها تزوجت كذلك .. غنيا يسافر أوربا، كان يعود لها كل شهرين .. استمر كذلك حتي اكتمل عام على زواجهما و بعدها لم يعد .. حتي الآن لم يعد، وهي الآن بانتظاره .. لا أعرف كيف يعيش هؤلاء .. المشكلة كما تقول أختي أنهم تعودوا علي ذلك، و في النهاية يعترفون أنهم لم يشبعوا بعد، لا زالوا عطشي.
الحقيقة أنهم لم يرتو أصلا بماء الحب الحقيقي مادام الحب عندهم أشبه بمسلسل من فراق مجهول الأمد.
- وهل من يقول أنه يحبني حقا غني ؟
أسأل نفسي و أُجيب :
- لا ، هو ليس غنيا .. لكنه أيضا ليس فقيرا.
الآن أتذكر .. عبارة قرأتها من قبل .. كانت تعليقا لأحد الصورة التي أُلتقطت في أفريقيا لأم تحتضن رضيعها و على كتفها يستند باقي أبناءها و يبدوا من الصورة أنهم ليسوا فقراء فقط بل مُعدمون حقا .. العبارة تقول أن الفقراء يصنعون أجمل و أعظم و أعمق قصص الحب .
صورة معبرة جدا لكن رأي أحد صديقاتي أنه لا علاقة بين الحب و الفقر .. و لا علاقة بين الحب و الغني، الغني يُحب و الفقير يُحب .. الكل يُحب ويبذل و يُكافح  و يُناضل ليُحافظ على حبه فقط لو أدرك جيدا قيمة الحُب ...
أحلامي كبيرة  ..
و أكبر ما بأحلامي أن أرتبط برجلا يفهمني و أفهمه .. أُبادله أجمل مشاعر الحب .. و أُشاركه أعظم وأقدس علاقة أقرها الله تعالي بين الرجل و المرأة.
من حسن الحظ أن فرصة شعاع من الشمس دخل الغرفة و على شعاع الشمس بدأت أقرأ في تاريخ مصر القديم 1580-1150 ق.م
 "بعد أن تم للملك **أحمس الأول القضاء على الهكسوس وطردهم خارج حدود مصر الشرقية ليعود الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد و بعدها قرر أحمس أن يتزوج بعروس أختاروها له من بين أجمل فتيات المحاربين لتكون فيما بعد أُما لأعظم محاربي و أبطال هذا العهد ..."
أفكر فى أن أُغير مكاني كل فترة لأمتص ضوء النهار المتسرب من النافذة، لكن منذ أن أتيت أختي و هي على غير عادتها .. أنهت طعامها بسرعة و قامت بسرعة على غير عادتها ، لا أعرف ما الذي يحدث لها بالضبط ،كل ما أراه منها اليوم يثيرا تساؤلات غريبة بداخلي، صارت اليوم أكثر هدوءا،  تجلس بجانبي علي كرسي خشبي و تقرأ لساعات طوال في كتب العلوم و الأعشاب.
أحاول أن أكتشف ما بداخلها، أود لو أقوم من فراشي، و أهمس في أذنها بحنان و عطف، و أسألها ما بك يا حبيبتي ؟
أقوم و أقترب منها و أسألها :
-       ما رأيك .. من يقول أن يحبني ليس فقيرا و ليس غنيا ، من أسرة أصيلة .. و يقولون أنه رجلا مُحترما ؟
-       هو كذلك .. أعطيه فرصة و أحبيه .. هو يستحقك و أنت تستحقينه ..
انتحي بنفسي ، أبلع ريقي ، أذهب لأُعد فنجان شاي و أحس بداخلي بأشياء من سيرة الحُب ..
و تمطر السماء .. و تبتل يدي بثلج الشتاء .. و أشتاق للدفء بشدة.
-----------------------------------------------
* أعشاب تستخدم فى الشتاء لتخفيف ألم السعال و توسيع القناة التنفسية و الشُعب الهوائية.
** أحد أبطال و ملوك مصر فى عُصور الفراعنة القدماء قبل الميلاد.