الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

بوح شخصي .. افعل به ما شئت .. نوفمبر 2014



صباح يوم 11 نوفمبر يوم العرض الأول لي علي النيابة بعد الحبس 15 يوما، الجميع نائمون، ما يقرب من خمسون فرد نائمون و أربعة فقط مستيقظون و أنا واحد منهم لكل منا سبب للاستيقاظ أحدهم ينتظر صلاة الشروق و اثنين لا يجدون مكانا للنوم، ينتظرون استيقاظ البعض لكي يناموا مكانهم – نحن في عنبر يجمع حوالي خمسون فردا مساحته لا تتعدي غرفتين – أما أنا فمثل طالب الجامعه عنده في الصباح امتحان آخر العام و هو في الفرقة الأولي من الجامعه، من الخوف أترقب الوقت و أعد نفسي لأمتحان اليوم ربما يُقرج عني – هذا ما أحلم به – و ربما يُجدد لي 15 يوما آخرين و ربما أُحال إلي المحاكمه.

منذ أن وصلت إلي هنا هيأت نفسي أنني ربما لا أخرج قبل عام أو اثنين ليس لأني متهم بشيء فعلته و لكن لأن النظام يريد ذلك هنا السجان و الجنائيين يخبرونا كل يوم أن كل السياسين سوف يخرجون قريبا ربما بعد انتهاء انتخابات البرلمان أو بعد ذلك بقليل أو ربما عندما تستقر الأوضاع في البلاد.

أخذت بالأسباب و توكلت علي الله سبحانه و تعالي و تواصلت مع من استطعت لكي أجهز بعض الأدلة التي تؤيد موقفي في التحقيق ربما لم أُوفق مثلما كنت أتمني و لكن ما وصلت له أفضل من لا شيء.

متفائل بمجريات الأمور اليوم و لدي شعور أنني سوف أخرج من هنا بلا رجعة و لذلك أكتب ربما تكون تلك السطور نهاية رحلة لي في مكان جديد هو الأصعب في مراحل حياتي و ربما هو الأصعب في حياة كل من هنا سواء الجنائيين أو السياسيين.

هنا كل منا يحاول أن يتأقلم علي الوضع، الجنائيين يسارعون إلي البرشام و الحشيش و المخدرات و السياسين بقراءة الجرائد اليومية و التحليل السياسي و إسقاط الجانب الديني علي المشهد و البُشري أن الفرج قريب و ليس السبب في ذلك الحراك السياسي و لكن مشيئة الله سبحانه و تعالي، لا أعترض علي رأيهم و لكني أري أنهم لم يتحركوا في الأسباب حتي تأتي مشيئة الله بعد.

هنا كل شيء بثمن إذا أردت أن تري أهلك فالزيارة بثمن ، إذا أردت أن تقابل أحد المسجونين في عنبرا مجاورا .. اللقاء بثمن، أن تتناول الشاء بثمن، كل شيء له ثمن و هذا ليس قانوني أو رسمي، إنها أعراف و تقاليد السجن مثل أعراف و تقاليد الجامعة لا يمكن أن تعرفها مسبقا فقط عندما تبدأ فأنها ستُطبق عليك مباشرة دون سابق أو إنذار .

قضيت 15 يوما تقريبا منذ الاربعاء 29 من اكتوبر و حتي اليوم، و هنا قابلت إناس لم أكن أتخيل أني ربما أتآلف معهم بهذه السرعة و لا يمكن أن أصف كرمهم أو إحسانهم سواء مع الجنائين أو مع مثلهم من السياسين، أحدهم أكرمني منذ أن دخلت حتي بالأمس حين طلب مني ملابسي لكي تُغسل من أجلي و تعود لي مرة أخري و ما قبلها لا يمكن حصرها .. أكرمكم الله.

هنا الاستحمام يكون بالماء البارد طول الوقت و لدينا غرفتين متجاورتين مساحتهما أربع أمتار مربعه نطلق عليم دورة 1 و دورة 2 ، الأولي للوضوء و قضاء الحاجة و الثانية للاستحمام.

هنا لا يوجد برد حتي الآن، حتي هذه الساعة البعض لازال يرتدي الحمالات الداخلية و لكن يوجد سحاب كثيف بسبب الدخان يكثر من بداية ساعات الليل و يقل تماما أثناء الصباح الباكر بسبب كثرة الأعداد لا أظن أننا سوف نشعر بالبرد إذا حل سوي أثناء ساعات ما بعد الفجر.

لا أحد هنا يري الشمس أو القمر أو السماء أو المطر إن حل، لا يوجد أي وقت للتريض سوي في حالات التفتيش و فيها يُطلب منا نقل الفرش و الشنط خارج العنبر لنقف حوالي ربع الساعه يتم تفتيشنا و من ثم ندخل مرة ثانيه و في كل مرة ندعوا الله ألا تتكرر حتي لا نظل نعيد ترتيب العنبر لأكثر من خمس ساعات و التفتيش يكون للبحث عن الممنوعات التي تم إدخالها بمعرفه السجان حتي يتقاضي ما به النصيب.

لا أكتب كل هذا لأجل أن يعرف الآخرون و يحتسبوا عند الله و من ثم يدعوا الله أن يفرج همنا؛ كيف سوف يفرج همنا و نحن لم نأخذ بالأسباب و اكتفينا بالدعاء؟ أنا أكتب لكي أبوح بما بداخلي، أكتب لكي يحرص الآخرون علي المجيء إلي هنا.

كنت أقرأ ما يكتبه علاء عبد الفتاح عن السجن و السجان، أحيانا كنت أعتقد أنه مبالغ به هذا الحديث حتي يفرج عنه في أسرع وقت و يشجع الآخرين علي التضامن معه، لا أقصد الإساءة لأحد و لكني لم أتصور أن الحال مزري إلي هذا الحال و بما الحال في سجون القاهرة و زنازين الحجز و سجون الترحيلات أفضل حالا من الأقاليم، سامحني فلا أحد يعرف ما تحدثه النار عندما تمسك في الجسم إلا من أُصيب بذلك.

هنا تموت الأحلام، هنا يقتلون التفاؤل، هنا نقرأ كتاب لا تحزن للشيخ العريفي و نحن تعساء و بؤساء و بعدها نذهب للنوم حتي لا تتعب عقولنا في التفكير و التحليل و احتمال الاحتمالات.

من قال لي أن الحال في البلد ربما تجعل البعض يُلحد هو علي صواب بالرغم أني كنت أختلف معه حينها و بالرغم أني مؤمن أنه إن انقطعت كل السبل فإن سبيل الله لا ينقطع و لكن هؤلاء لن يلحدون بسبب أنقطاع أسبابهم بالله و لكنهم و جدوا كل ما كانوا يحلمون به انتهي و بما أصبح سبب في قتلهم أحياء.
لست سياسيا لكي أقول ما الحل و لست في منصب لكي أقدم مبادره أو أتحرك أنا طالب جامعي ما زلت أفكر و لكني لا أري مستقبل بالرغم من أني أكثر المتفائلين وهكذا يُخبرني الآخرون.

قل لي سببا واحدا يجعلك تخطوا خطوة نحو شيء لهذا الوطن بعدما سجنوك لأنك تطالب بأن تحيا حياة كريمة، لا أنسي أننا كنا نردد : و ما نيل المطالب بالتمني ....
و لكن الطريق أصبح كله مصائب إذا كانت المصائب سوف تتوقف عندي فليس لدي مانع و لكن ما علاقة أهلي بها.

منذ سجنت لم أري أحدا من أهلي، أنا من المنوفيه و سجنت بالسويس و المسافة لا تقل عن 300 كم و يوم زيارتي هو الاثنين و الزيارة لا تزيد عن خمس دقائق من شباك له سلك من الجانبين.

كنت أعتقد أنه عندما نسجن أن نقرأ و نطالع و نذاكر و نفكر و نتعلم و نتحاور و نتناقش و سوف يكون لدينا متسعا من الوقت لكل شيء، لقد هربنا من هموم الحياة و ضوضاء الناس و لكن الحقيقة أن الوقت لا يكفي فلابد أن ننام في أوقات محددة و نهتم بالنظافة الشخصية حتي لا نصاب بالجرب و الأمراض و هذا وحده يحتاج ثلاث ساعات يوميا حتي تحجز و تقف في الطابور و تنتهي و عليك أن تصلي و عليك أن تبحث عن ماذا سوف تأكل ، التعين هنا عبارة عن رغيف ربما يكون سحلي ( سحلي عو الرغيف الغير مرغوب فيه في المخابز) و علبة جبن صغيرة جدا لا تتجاوز 100 جرام و برتقالة و علبة مربي لا تتجاوز 50 جرام كل هذا لثلاث وجبات فطار و غذاء و عشاء.
و بعد كل ذلك يجب أن تحمي نفسك باقي الوقت عفرة دخان الشيش و البانجو و السجائر ..

الحياة حقا هنا صعبة و مؤلمة .. أمنيتي اليوم أن أخرج من هنا بسلام و إن استطعت أن أخرج من هذه البلد بسلام أيضا.