الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

أنا مُذنب .. قصة قصيرة .. فى مارس 2009



أنا مُذنب



أنا مُذنب...
أنا أُخالف اللوائح و هذا يعرضني للمسائلة القانونية..
هم يتهمونا بهذا، و قريبا سيتم فصلنا من الجامعة !
هم يمتلكون الشرعية ليقدموني للتحقيق، و يملكون الشرعية ليفصلوني من الجامعة، و يملكون الشرعية ليعتقلوني لو أرادوا.
و أنا لا أملك أي شرعية.
واهمون لو اعتقدوا هذا فقط ..
لن ألوم نفسي، صدقوني ما فعلته هو الصحيح.
هكذا قرروا و كان قرارهم، سيتم فصلي أنا و بعض زملائي، سيمنعوننا من دخول الجامعة، وسيمنعوننا من المحاضرات و الدروس العملية.
كان التحقيق معنا اليوم، هم أصلاً لم يسمعوا أقوالنا، كل ما قالوه هو أننا متهمون بتوزيع صور وتعليق لوحات عن الحرب على غزة بدون إذن مسبق.
أخبروني بالله عليكم و من سيأذن لنا ؟
القرار صدر و انتهي، أقول لكم شيئا، هذا القرار مُعد مسبقا و مُجهز من قبل، و لا ينقصه سوي خاتم الجامعة ، و توقيع سيادة العميد، و هذا أمر سهل، و سيتم  بسهولة في الوقت المناسب، و لا مشكلة في ذلك.
العميد سيختم و يوقع على القرار حتى و إن كان خطأ، و حتى لو كان على حساب حريتنا نحن الطلاب، إما أن يُوقع، و إما أن يرحل، إما أن يُوقع و إما أن يترك مكتبه الأنيق، و السيارة إياها، و التكييف، و الامتيازات الأخرى، و الراتب العالي في أول كل شهر.
لم تمض سوي ساعات من لحظة إصدار القرار.
أحيانا أبقي أياما في البيت لا أغادره أقرأ، أكتب، أُفكر ، أحفظ و أذاكر دروسي و إنما باختياري.
الآن لا إرادة لي .. سلبوني جزءاً منها، العميد يتراجع عن وعوده و مهامه ؛ حماية الطلاب والحفاظ على حقوقهم ، و مساعدتهم ، و تلبية احتياجاتهم ، العميد يتراجع ليقف بصفوف حرس الجامعة ليحرس الجامعة على طريقتهم، و يسلب الطلاب حريتهم و كرامتهم.
أعرف أنك أستاذ لنا، و أعرف كم هي الضغوط التي لا تتوقف تطالبك بمنعنا، و إبعادنا، وفصلنا، المشكلة ليس فيك، المشكلة أكبر منك، لكني أقول أنك اليوم صرت جزءا منها.
العميد يرتد ليصبح بلا مبادئ !
و أنا .. ماذا أصبحت ؟
لم أجد عندي أدني رغبة في عمل أي شيء، فاستسلمت للرقاد في الفراش محدقا في سقف الغرفة. ما الذي يحدث لي بالضبط ؟
ألوم نفسي منذ الأمس لأني فعلت ما أُعبر به عن غضبي مما يحدث، أُلوم نفسي لأني حاولت أن أتضامن مع الشعب الفلسطيني ، ألوم نفسي لأني حاولت أن أكون أكثر إيجابية ، أُلوم نفسي لأني أود أن أقاوم هذا الظلم ، و الدمار، و أقول كلمتي وكلمات الملايين القابعين تحت سطوة السلبية و اللامبالاة.
لن ألوم نفسي، أنا لم أصنع ما يستحق اللوم.
أقول أنها نهاية سيئة لبداية طموحة ؟
لا هذا ليس صحيحاً.
بداية لمرحلة جديدة من النشاط، و الهمة، و العمل .. بلا خوف، و بلا وهن.
صدقوني ما فعلته هو الصحيح.
البداية كانت مع بداية أول صاروخ غاشم أنطلق من المدفعية الثقيلة المدججة بالذخيرة، والسلاح ، و بقايا من قلوب البشر، و أكواما من الظلم و البطش.
الصاروخ الأول سقط على بيت، أو كما رأيت بقايا من بيت صغير يسكنه بقايا من أسرة فقيرة استشهد عائلها الوحيد منذ سنتين و ترك خلفه زوجته .. أقصد أرملته المريضة و أولادا صغار، صغارا في العمر و صغارا في الحجم.
كلهم ماتوا، لم يبق منهم أحد سوي بقايا من ثوب أبيض كانوا محتفظين به وقت اللزوم ليرفعوه أعلى البيت كمحاولة أخيرة للنجاة من الموت.
الكل مات وبقايا الثوب الأبيض لم تكف لتكون كفنا ليلملموا فيه أشلاء الموتى.
الصاروخ الثاني كان باتجاه الجامعة الإسلامية بغزة ، رأيتها و قد دُمرت، و احترقت، و تمزق معها أوراق العلم، و اندثرت المعرفة و الكتب، و الأبحاث صارت ركاما أسود لا يصلح ولا ينفع.
لم يبق من الجامعة سوي بقايا من أعمدة متهالكة لا تقوي على الصمود، فبدت وكأنها أعمدة مائلة تثير الشفقة وتطلب النجدة.
الصاروخ الثالث ضرب مسجدا كبيرا في وسط غزة، قال الصهاينة أن به عناصر من المقاومة.
الصاروخ الرابع ضرب مخيما للاجئين، و الخامس ضرب مدرسة للاجئين، و السادس ضرب مستشفي للجرحى ، و السابع ضرب الحدود بين بلدي و غزة .
و الصاروخ الثامن ضرب جرحاً بقلبي، و كدت أبكي من ألم النزيف.
فكرت ماذا أفعل ؟
ما الذي يجب أن أفعله قبل أن تصبح جامعتي، أقصد وطني في مرمي الصاروخ التالي.
جمعت زملائي، و بدأنا نفكر و بسرعة، وكأنها أزمة، وكأنها حالة طوارئ، و كأن المصيبة لا تحتمل، بدأنا نبحث عن صور الخراب و الدمار و الموتى و الجرحى من الصحف، و المجلات، والفضائيات، و المواقع الالكترونية.
لن ألوم نفسي، صدقوني ما فعلته هو الصحيح.
سهرنا الليل نرتب الصور و اللوحات، دفعت عشر جنيهات من مصروفي، و عمر زميلي دفع سبع جنيهات، وعبد الحميد دفع خمسا، و معاذ دفع ثلاثاً.
لم تكف هذه النقود، دفعت أكثر حتى نطبع ما يكفي، كنا نتخيل أن هذه اللوحات، و هذه الصور ستمثل إرادتنا و رغبتنا و ضميرنا في التعبير عما يجول بداخلنا.
و النتيجة أنهم مزقوها.
و الأوراق التي وزعناها بالصباح اعتبروها منشورات، و أنها تخالف اللوائح و القوانين.
كنا نتوقع أنهم معنا لا علينا، كان الأجدر بهم أن يتبرعوا لما نفعله، أن يدعمونا، و يدعموا روح الحركة التي بداخلنا، دعمهم لنا هو دعم للمستضعفين ، هو دعم للقضية والأرض والتاريخ والشعب، دعم للنخوة و الرجولة و الأخوة .. دعم للإنسانية.
كان الأجدر بهم أن يتركونا.
صدقوني هذا هو كل ما فعلته.
هذه هي تهمتنا، أننا نعلق أوراقا، و لوحا، و صورا تثير الرأي العام بالجامعة، بدون إذن من الإدارة.
لن ألوم نفسي، صدقوني ما فعلته هو الصحيح.
الضرب مستمر، و القصف مستمر، و الحصار مستمر، و الناس تجوع، وتموت، و لا يجدون الطعام و لا الدواء، و لا يجدون ما يحتمون به و لا أحدا يُناصرهم، العالم يقف صامتا، و القتل مستمر، وكل يوم وكل دقيقة وكل ثانية بيت يُهدم، و طفل يُقتل.
و تريدوننا أن نصمت و نسكت !
لن نصمت، و لن نسكت حتى و إن مزقتم كل الصور، و أحرقتم كل اللوحات.
ستبقي الصورة هي الصورة، حاضرة رغم العتمة، واضحة رغم  الضباب؛ صورة بيت مهدم، وطفل جائع يُقتل ، وبجانبها صورتنا ونحن نحاول أن نطعم هذا الطفل و نحاول بناء هذا البيت.
لن ألوم نفسي، صدقوني ما فعلته هو الصحيح.


ليست هناك تعليقات: