الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

أقصد أننا نحب ... فبراير 2008



أقصد أننا نحب


                                                        
استيقظ أخيرا بعد نوم طويل ، تركها نائمة .. وتسلل بخطوات بطيئة هادئة خارجا، أعد قهوتـه الساخنة، لتستفيق حيويته، وكوب ماء ليرافق القهوة المرة، ثم توجه نحو مكتبه.
أخذ مكانه بين الأوراق و الكتب و الأقلام، ثم اعتدل في جلسته على المكتب، بدأ يطالع التقويم أمامه، يقربه منه ، يتأمل التاريخ جيدا ، ينزع ورقة التقويم ، يتأملها ثانية، وكان أن ابتسم ابتسامة خفيفة جميلة، شعر معها بانشراح وسرور يغتال قلبه.
اليوم!!
 ماذا سيفعل في هذا اليوم السعيد جدا بالنسبة له و لزوجته ؟
دائما يؤمن بأن الحب و الحنان هما كالماء الذي لا غنى عنه لـ تكبر و تزدهر علاقته بزوجته .. هي الأخرى تعي ذلك جيدا كنوع من الوفاء لكل ما يقتنع به و يؤمن به زوجها ..
مرة أخرى أمسك الورقة جيدا .. ورقة التقويم .. طالعها من أولها لآخرها ، الابتسامة أولا ، والدهشة ثانيا ، مصادفات غريبة ، غريبة جدا .
يتوشح ثغره بالإبتسامة غير أن محياه يبدو عليه حزن و أسى يرسم على قلبه صورة حزينة لوطن ضائع .. شعب لاجئ و شعوب خائفة حتى من أن تَعلن عن بعض من هويتها ..
قطع شريط الصمت، تشابكت أصابعه ببعضها ثم طرق على مكتبه بقوة، و بنبرة من التفاؤل، وشيء من الحماسة هتف : آه يا فلسطين .
وعلى السطر الأخير من ورقة التقويم على الكلمة المنسية دائما فلسطين طبع قبلته ، طبع قبله ثم أتبعها بقبلتين.
كأنه يود أن يقول: لا ننس أبدا ذكرى اغتصاب فلسطين
ذكرى اغتصاب فلسطين ...!!
طلع السؤال يختال في حلقه، وهل أُغتصبت فلسطين حقا ؟
و منذ متى؟
بدأ يحاور نفسه :
هل التقويم يكذب ؟ وهل يحاول التاريخ تحسين صورة آخرين على حساب آخرين؟ ، أم أن العرب هم من باعوا أرضهم ؟
لا يهم أي من هذا الآن ..
نعم لا يهم
المهم الآن ماذا سأفعل لزوجتي اليوم ..
ذكري جميلة جدا
ذكرى قلبان ارتبطا ببعضهم البعض حتى أندمجا كـ قلب واحد ونبض واحد ، آه سأحضنها اليوم ولن أشبـع.
احتضانه لزوجته يعنى له احتضانه للكثير والكثير ؛ ليس فقط جسدا يحتضن جسدا  .. بل عواطف تحتضن عواطف و أفكار تلاقي أفكارا ، نفسا تحتضن نفسا أخرى فتحويها و تحتويها تماما كصورة مصغرة من صورة الوطن يحتضننا بكل ما فينا يحتضن أجسادنا و أرواحنا و أفكارنا وآمالنا بل و حتى آلامنا ..
الآن ..
هو جالس في مركز البيت بالتحديد في مقابل الحائط اللبني اللون
فكرة ما تبلورت في خياله ..
احضر للتو حبلا رفيعا - كذلك الذي يستخدمه المصريون في نشر ملابسهم لـ تجف- و مضى برفق نحو زوجته النائمة، اقترب منها، يبدو أنها ما تزال غارقة في الأحلام ، توقف برهة ، تأملها للحظات، و برفق اقترب منها.
ربط طرف الحبل بطرف إصبعها الصغير و بلطف طبعا ..
بالطرف الآخر ربط كرة صغيرة ، ثم لملم الحبل جيدا ، لفه حول الكرة جيدا ، راح باتجاه الشرفة المتصلة بغرفة النوم.
الحبل طويل .. طويل جدا، و يكفي طوله لعبور الطريق، و يستقر هناك في أعلى السطح المقابل، كل ما يلزم الآن هو فقط يد قوية لتقذف الكرة قذفه قوية باتجاه السطح المقابل .
يتأمل المشهد جيدا ليتحقق من الهدف المطلوب.
من هنا يمكنك القول أن الحب يحتاج إلى قوة و القوة هنا قوة الجسد و العضلات ...
لكن ماذا لو أخطأ الهدف؟
وقع بصره على المكان الخطأ، الهدف الخطأ .. إلى أسفل حيث الشارع العريض، سيارات كثيرة، ازدحام خانق ، عوادم سيارات ...
لم يطيل النظر كثيرا ، ركز نحو هدفه الصحيح ، تمعنه جيدا ، ثم أقنع نفسه أنه يستطيع من أول مرة.
بسرعة أخذ نفسا عميقا ، ثم رم الكرة بقوة باتجاه السطح المقابل ، بسرعة طارت الكرة فوق الشارع المزدحم جدا، و بسرعة أصابت الهدف.
ابتسم ابتسامتين الأولى لنفسه و الثانية لزوجته النائمة .. و الابتسامة الثالثة أدخرها لحين إتمام المهمة ..كأنه أكمل بعض من المهمة فقط !
المهمة لم تكتمل بعد .
غادر الشرفة ، نحو باب المنزل هرول ، فتح باب المنزل خرج من المنزل ، نزل السلم ، نحو الشارع ، ينظر يمينا ، ينظر يسارا ، يعبر الطريق سريعا، و سريعا يصعد البناية المقابلة إلى السطح المقابل حيث الكرة و قد سكنت منذ قليل ..
قليلا و تنتهي الحكاية ، قليلا و نعرف النهاية ..
من السطح المقابل ، وقف يبتسم ، و برفق أخذ يسحب الحبل ..
للتو أحست زوجته النائمة ، أحست بما هو مربوط بإصبعها ، ما هذا ؟!
للتو اندهشت !!
و أدركت أنها بالفعل مربوطة ..!!
عفوا ..
حتى تصنع جديدا يمكنك أن تغامر ، شيء مدهش لكنه أيضا غريب ، ربما لم يحدث من قبل ...
حدث في السينما لكن بعد الآن يمكنك أن تفعله ، بالتأكيد يمكنك بلا خجل ..
بلطف يسحب الحبل المربوط بإصبع زوجته .. يسحب زوجته.
رأيتم من قبل واحد يسحب زوجته المربوطة ؟
الغريب أيضا أنها تستجيب لقوة السحب تلك .. الحقيقة أننا جميعا نستجيب لما هو جديد.
و بقوة السحب تغادر زوجته الفراش، و بقوة السحب تخطو خطوتين .. ثلاث خطوات و الخطوة الرابعة تكون في منتصف الشرفة ، تلمح زوجها في الجهة المقابلة ، تندهش للتو ، تبتسم طبعا، تتسع الابتسامة ، يبتسم هو الآخر .
بسرعة يخرج من جيبه خاتما.
و من الجيب الآخر يخرج ورقة.
يطوى الورقة بسرعة ، يلف الورقة جيدا ، بسرعة يربط الورقة بالخاتم ، يُعلق الخاتم بالحبل الرفيع و يتركه للجاذبية ، ينزلق الخاتم بخفة و بسرعة ، يعبر الشارع المزدحم  بسرعة ، يصل إلى يد زوجته هناك في الجهة المقابلة.
تندهش ، تضحك بخجل ، تخرج الخاتم ، تنزع الورقة .
إنها ورقة تقويم !!
ورقة التقويم .. الخميس 15- 2008 
 تتذكر جيدا .. في مثل هذا اليوم كان زواجهم ، في مثل هذا اليوم أدركت معني كونها زوجة ، في مثل هذا اليوم كانت أول مرة تدرك معنى أن يكون للمرأة رجل يحويها و يحتويها ، في مثل هذا اليوم أدركت جيدا المعنى الجميل في الآية الكريمة في القرآن الكريم " و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها "
للتو تبسم لزوجها ، للتو تدرك من جديد معنى السكن و المودة و الرحمة.
تدرك شيئا جديدا ، كلاما جديدا مكتوب بظهر ورقة التقويم ...
زوجتي الحبيبة ماذا لو أهدينا فلسطين خاتما.
تتردد قليلا ، تفكر قليلا، تنظر لزوجها في السطح المقابل، و بسرعة تومئ بالإيجاب، و تبتسم .. تبتسم وتتسع ابتسامتها، يبتسم هو الآخر، تتقابل البسمة مع البسمة، يلتحما معا، يمتزجا معا ، يصيرا ابتسامة واحدة تكبر.
الابتسامة  تكبر و تكبر .. تعلو وتعلو لترسم صورة الأمل في أبهي حلته يشق طريقه في الشارع المزدحم بين ضجيج السيارات .. فوق دخان المركبات.
لتنتهي القصة و يبقى الأمل ما دام الحب .. أقصد حب الوطن ..   
         









ليست هناك تعليقات: